زيارتي لبلاد المغرب العربي كانت عام 1997 في نطاق " مؤسسة الأديان في خدمة السلام " برئاسة البروفيسور شمعون
شطريت، وكنت أحد اعضاء ادارتها ولا ازال، وقد شملت الزيارة رجالات من خيرة الفاعلين في الجهود الرامية بشتى الوسائل الاجتماعية والإنسانية لتقريب وتحقيق السلام المنشود الذي يرنو اليه كل صاحب ضمير حي في هذا الكون، وهذه المؤسسة من أهم المؤسسات التي فعلت الكثير الكثير في تنظيم مؤتمرات محلية في البلاد وأخرى في مصر والأردن والمغرب وغيرها، ذلك لترسيخ مبادئ الأديان المختلفة وموقعها في خدمة السلام.
وقد نظّمت هذه المؤسسة "الأديان في خدمة السلام " لقاءات ومؤتمرات في البلاد بالتعاون مع المجلس العمالي لقرى أبو سنان، كفر ياسيف وجديدة المكر برئاستي وقد شاركت في هذه اللقاءات التي حملت اسم "لقاء الأعياد" المئات وربما الالاف من مختلف أبناء الطوائف في البلاد ممن عُرفوا من قادة البلاد من مختلف طوائفها على حد سواء بدعم وتمويل نقابة العمال العامة الهستدروت.
وقد كان لي نصيبا كعضو إدارة مؤسسة الأديان في خدمة السلام في المشاركة في مؤتمر للسلام تحت عنوان "الأديان في خدمة السّلام " الذي عُقد في بلاد المغرب كما ذكرت عام 1997 ، حيث شارك في هذا المؤتمر من إسرائيل 16 نشيطا في مجال السّلام برئاسة البروفيسور شمعون شطريت وعضو الكنيست اوفير بينس ، وكانت لهذا المؤتمر الذي استمر10 أيام أهدافا إنسانية ، تربوية ، اجتماعية ، أخلاقية وعملا دؤوبا من اجل تدعيم السّلام الذي بوشِر به قبل عدة سنوات من ذلك التاريخ أي لدى توقيع اتفاقية أوسلو للسّلام في النرويج ، ذلك لإظهار وإبراز دور الأديان السماوية من أجل السلام والتي تدعو وتدعم السلام والتفاهم واحترام الغير، وهذا ما ترتكز عليه الأديان وكذلك بالطبع "مؤسسة الأديان في خدمة السلام " .
والمؤتمر الذي شاركنا فيه والذي زرنا خلاله لمدة عشرة أيام مدن: الرباط، الدار البيضاء، " كازابلانكا " مراكش ومدينة فاس التاريخية. وقد نُظّمت في هذه الاثناء عدة ندوات ولقاءات مع ممثلين عن الجانب المغربي من اليهود والعرب والمشترِكين الإسرائيليين ، والتي نظمَتْهُ بكامِلِه " مؤسسة الأديان في خدمة السلام " برئاسة البروفيسور شمعون شيطريت .
وقد شملت الزيارة برنامجا حافلا من اللقاءات والفعاليات وكان اللقاء الأول مع المفوّض الإسرائيلي في المغرب في مقرّه في مدينة الرباط حيث استمعنا منه الى بعض المعلومات عن عمله كمفوّض إسرائيلي في المغرب قبل أن تُقام علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين آنذاك، وكذلك زرنا قصر الملك الحسن الثاني حيث لاحظنا ولمسنا خلال ذلك ان المغاربة مهتمون ببلادهم وكذلك يحبونها ومتعصبون لها، وان لا فرق عندهم في الدين او العنصر، فالمغربي هو مغربي بغض النظر عن انتمائه المذهبي او الديني.
وفي مدينة فاس زرنا معالم المدينة الاثرية المعروفة لدى المغربيين والتي تعود باسمها الى زمن الخليفة هارون الرشيد ، وتقع على نهر الفاس ويقولون ان اسمها نسبة الى الفاس "أداة العزق والنكش" ، وزرنا كذلك المقبرة اليهودية في المدينة والتي تعود الى القرن الخامس عشر بالقرب من المتحف اليهودي وتحمل هذه المقبرة اسم " بيت الحياة " وتوجد في نفس الحي جالية يهودية تعدادها حوالي 300 نسمة ، وكذلك زرنا جامع القيروان والقصبة أي المبنى الداخلي القديم ، وتعتبر هذه المدينة ايةً في الفن والرسم والذي بدون شك يدل على تطور حضاري في المغرب منذ القِدم .
وكانت الندوة الأولى للمؤتمر في فندق جام بالاس وتناولت المواضيع: سيرة سيدنا إبراهيم عليه السّلام قدّمها الرّاب هرئيل والموضوع الثاني في هذا اللقاء كان من نصيبي وهو: موقف الأديان الإسلامية والمسيحية والآيات التي تدعو الى المحبة والتآخي والسلام ، وكذلك موضوع تاريخ الإسلام وما سبقه تحدثا عنه كل من السيدين عزرا بن يعقوب من الوفد الإسرائيلي ا وكذلك إبراهيم دعيبس من أعضاء الوفد أيضا ، وكذلك شارك مندوبون عن الجالية اليهودية في المغرب ولفيف من المغاربة يمثلون قطاعات مختلفة.
أما في الدار البيضاء المدينة الخلاّبة المتطورة والجميلة جدا ألواقعة على شاطئ المحيط الأطلسي المتطور حيث يرى ويشاهد المرء فيه عن قرب العديد من أبناء دول مختلفة وكلٌ يتحدث بلغته الخاصة به أو يتلعثم بلغة أخرى ، ويبلغ عدد سكان الدار البيضاء نحو 6 مليون نسمة حيث أقيمت فيها ندوتان بمشاركة لفيف من المحليين من ارباب الصناعات والأعمال الحُرّة برئاسة البروفيسور شمعون شطريت ، وما شدّني خلال وجودنا في كازابلانكا اللّقاء التاريخي مع السيد اندري أزولاي مستشار الملك الحسن الثاني وخاصة ما تفوه به عن عملية السلام المحلي والعالمي، وكذلك بين اسرائيل والفلسطينيين بالنسبة للشعب المغربي ، حيث أشار خلال هذا اللقاء الى تأييد الملك والشعب في المغرب لعملية السلام التي ينبغي لها ان تتغلب على كل الصعوبات التي قد تعترض طريقها ، هذا ما يشعر وما يحس به الشعب في المغرب، الامر الذي يستوجب تضافُر جميع القوى لتدعيم السلام ودفع العملية السّلمية قدما الى الامام.
وكما ذكرت ان هذه المدينة تُلاطم الأمواج على المحيط الأطلسي وعلى هذا الشاطئ والمنظر الخلاّب يقع مسجد الحسن الثاني الذي يعتبر ثالث الجوامع في العالم بعد البيت الحرام في مكة المكرمة ومسجد الرسول "صلعم " في المدينة المنوّرة،
واليكم أعزاءي القُراء من الجنسين بعض المعلومات عن هذا المسجد : المسجد والفناء مُقام على قطعة أرض بمساحة 90 دونما كانت سابقا بركة ماء واسعة على شاطئ الأطلسي ، وكان الملك الحسن الثاني قد دعا أفراد الامة الاسلامية للمساهمة في البناء ، وقد بوشر العمل فيه في شهر حزيران من عام 1986 وانتهى في 30/3/1993 حيث استغرق العمل سبعَ سنوات ، ومساحة البناء لوحده هيكتاران أي ما يعادل 20 دونما "20الف مترا مربعا" ومساحة الفناء 7 هيكتارات اي70 دونما أي “سبعين الف مترا مربعا " ، ويتسع الجامع في الداخل الى 25 الف نسمة من المُصلين 20 الفا من الرجال وجناح خاص للنساء يتّسع ل5000 امرأة ، وارتفاع المِئذنة 60 مترا أي أعلى من أعلى مِئذنة في العالم ب 3 امتار وتكاليفه مليار و600 مليون دولار . ويشمل بناء المسجد الكثير من الأعمدة الفاخرة والرسومات الفنّية، والمياه الجارية في شبه قنوات داخليّة نبتة اللّوتوس في قاعة الوضوء وهي عبارة عن رمز السّلام، وجميع الحجارة باستثناء القليل الذي جُلب من إيطاليا وصُنع في المغرب.
وخلال تواجدنا في الدّار البيضاء التقينا في المركز اليهودي في مقر قيادة يهود المغرب الرّوحي حيث جرى بحث حول أوضاع اليهود في المغرب الأمر حقا يدعو الى الاعجاب من خلال ما سمعناه ، حيث أن الجميع هناك يعيشون بتفاهم وباحترام متبادلَين ،هذا ما تحسه وتشاهده من خلال تجوالك ومجالسة البعض هناك ، وبالقرب من مدينة مراكش هناك منطقة سياحية قديمة تنِم عن التطور والبناء والحياة المغربية منذ القِدم واسمها "اوريكا " فالمناطق الخلاّبة والمياه الجارية والخُضرة الدّائمة والبنايات الحمراء داخل هذه المناظر ، وتُطل من بين الخضرة والأشجار وعيون الماء الجارية والابنية المبنية من الفخار الأحمر ، وترى بين هذه المناظر قبور القدّيسين التي يزورها أبناء الشعب اليهودي مثل الحاخام رابي شلومو بَلجنس ، وفي هذه المدينة مراكش ما يُميّزها عن غيرها في المغرب انك تشهد عرضا حيا للفولكلور الأصيل العُرس ، الفرح ، التمثيل ،الرقص بألوانه ، كذلك الطّرب المغربي على اصوله ، كل هذا في مكان الشيخ علي حيث الخيّالة والفروسية وعروض أخرى من التراث الشعبي المغربي الأصيل ، وما يلفت الأنظار في مراكش أيضا بناء القصبة يعني البناء الداخلي والذي تتركز فيه جميع الاثار القديمة والمؤسسات الهامة التي عُرفت على مر العصور ومن ثم البناء الجديد والاحياء الجديدة ، وكذلك الشعور بالحياة البناءة التي يعيشها المواطنون هناك ، النظام السّائد ، النظافة في المدن ، أداب السّائقين وسياقتهم المسؤولة ، والترتيب الداخلي وأنظمة السير وتناسق الأبنية الأنيق والمتجانس ، والأكثر من كل ذلك روح الشعب الخفيفة في المغرب والحياة الهادئة والاحترام للسائح والزائر وحب الشعب قيادة وشعبا للسلام وبذل المستطاع من اجل تحقيقه كاملا ، هذا بالإضافة الى صيانة المقدسات والعناية بها ، حقا تلفت الأنظار، هذا ما لمسناه وشاهدناه خلال زيارتنا الى ضريح الراب عمرام بن ديوان على الطريق بين مدينة فاس والدار البيضاء وكذلك مسجد الملك الحسن الثاني في الدار البيضاء وغيره.
وفي النهاية يمكننا القول أن ما قامت به مؤسسة الأديان في خدمة السلام برئاسة البروفيسور شطريت حتى الآن وخاصة التركيز في مؤتمرها هذا في المغرب من خلال ما ذُكر مما جاء في الأديان من مواقفها من السّلام، لَهو بشارة كبرى للوصول يوما ما الى التفاهم والتقارب بين الدول في الشرق الأوسط وخاصة بين إسرائيل والدول العربية في هذا الشرق من اتفاقيات السيد إبراهيم الخليل عليه السلام، هذا ما يبرز للعيان باتفاقيات سيدنا إبراهيم ،على أمل ان يتحقق ذلك مع المزيد من الدول الشرق أوسطية خاصة والعالم عامة انشاء الله، لتنعم الشعوب بحياة مليئة بالاطمئنان وهداة البال بتسهيل المولى، لما فيه من مصلحة دول الشرق الأوسط خاصة والعالم عامة.
الصور وصلت من الشيخ د.نجيب صعب