بسم الله الرحمن الرحيم
منذ مطلع الأسبوع الفائت، تشهد البلادُ بكلّ أسفٍ ظروفًا صعبةً وغير اعتياديّة، جاءت على أثر تدهور الأوضاع الأمنيّة في جنوب البلاد وقطاع غزّة، ونتيجةَ أحداث العنف والقلاقل الّتي اجتاحت شوارع المدن والقرى، مهدّدةً ترابط النّسيج الاجتماعيّ بين سكّان البلاد، ومخلّفةً توابع سلبيّةً تكاد لولا حكمة العقلاء تزعزع ما تعوّدناه في الدّولة.
منذ بدء المشاحنات الّتي نشاهدها بقلق شديد، ناشدت طائفة الموحّدين الدّروز استمرارًا لنهجها السّلميّ الواضح، إلى تحكيم العقل والضّمير ومنع الانجراف وراء الفتن والقلاقل، مستمرّين في نهج الطّائفة الّتي كانت ولا زالت وستبقى جسرًا للسّلام والمحبّة والحوار بين أبناء الطّوائف في البلاد، وهو القاسم الّذي يوحّدنا جميعًا.
كنّ ولم نزل على مرّ تاريخنا الممتدّ في هذه البلاد، نعيشُ بسلمٍ وسلامٍ في كافّة القرى والمدن والبلدات، مشكّلين نموذجًا صالحًا في مدّ جسور التّواصل، والسّعي إلى التّركيز على الرّوابط والقواسم المشتركة واحترام المذاهب والأديان، متقاسمين العيش المشترك الحسن مع إخواننا من كافّة الطّوائف والأديان.
بكلّ قلقٍ وأسف، نراقب في الأيّام الأخيرة ما آلت إليه الظّروف المتوتّرة من انزلاق إلى مهاوي العنف المستنكر الأثيم، واعتداءات تطال المواطنين العزّل والحيّز العامّ، موقنين أنّنا يجب أن نقف أمامها سدًّا منيعًا، ونتصدّى لها لئلّا تنتصر بظلامها على ما عرفته هذه البلاد من علاقات المودّة والنّور بين أطياف المجتمع الواحد. كنّا قد قلنا في أكثر من موقف وأكّدنا أنّ نبذ العنف بشتّى أشكاله لا يعتبر واجبًا للمواطنة الصّالحة فقط، بس هو مطلبٌ إنسانيّ ودينيّ وأخلاقيّ، يجب علينا أن نطبّقه اليوم على أرض الواقع، باذلين الغالي والنّفيس من أجل الحفاظ على الوحدة الاجتماعيّة واللّحمة الّتي تميّز هذه البلاد الغنيّة بالتّنوّع.
من هنا، ندعو سكّان البلاد عامّة للوقوف ضدّ العنف وعدم الانجرار وراء القلاقل والمشاكل، متحمّلين المسؤوليّة الجماعيّة في رفع راية السّلم والإصلاح، الأخوّة والوفاق، رغم كلّ خلافٍ واختلاف في المواقف ووجهات النّظر والمعتقدات. كما نعود ونكرّر دعوتنا ومناشدتنا للجميع بالتّحلّي بالمسؤوليّة في التّعامل مع الأخبار والمنشورات المغرضة المسيئة، وعدم السّماح لأيّ فرد كان باستفزاز المشاعر وتأجيج نيران الفتن الأهليّة. يجب أن نذكر أنّ وسائل التّواصل عليها أن تبقى دائمًا منبرًا للتّعبير عن الرّأي وفق المنطق والإنسانيّة والقانون، بعيدًا عمّا نلاحظه في المدّة الأخيرة من موجة التّحريض والكراهيّة الّتي يتوجّب علينا محاربتها على كافّة الأصعدة.
في الختام، لا بدّ من تحيّة صادقةٍ أخويّة نقدّمها إلى جميع رجالات الدّين والمجتمع والمسؤولين، من جميع المذاهب والطّوائف والانتماءات، الّذين نراهم يبادرون إلى العمل المشترك من أجل نبذ العنف والطّائفيّة، تمكينًا لخروج المجتمع الواحد من هذه الأوضاع المأساويّة الّتي نشهدها جميعًا. كذلك نستمرّ في مناشدتنا إلى المسؤولين والقيادات من الطّرفين للعمل والسّعي الحثيث من أجل التّوصّل إلى حلّ سلميّ سريع لوقف إطلاق النّار وإنهاء العراك.
هذا هو واجبنا كقيادات دينيّة واجتماعيّة، ودواعي هذه الأيّام تحتّم علينا وقفةً مشتركةً وصوتًا واضحًا عاليًا يندّد بالعنف والتفرقة، ويدعو إلى عودة الحياة إلى سابق عهدها، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
الشّيخ موفق طريف
الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة
جولس 16.05.2021